صباح يوم السبت السابع
عشر من آذار كان قسم الاسعاف في المستشفى يغص بالمصابين الذين سقطوا جراء اطلاق النار على مشيعي ضحايا يوم الجمعة
، و كان صوت الرصاص ينذر بالمزيد
.
كنت اتنقل بين
المصابين محاولا اسعاف الأكثر خطورة ، دخل شاب يحمل مصابا بين ذراعيه ، القى به
على سرير وخرج مسرعا ،
توجهت اليه ، جسمه الصغير
كان
غارقا بالدماء التي تسيل من نافذة مفتوحة اسفل اضلاعه اليمنى ، ادرته لأرى مكان دخول الرصاصة التي
اخترقت ظهره من الجهة اليسرى
، تلمست صدره ، كانت ضربات قلبه سريعة و تدق بقوة ، كان صامتاً لم يتألم ولم يقل
أية كلمة ، سألته ما اسمك
؟ لم يجب ، كم عمرك قال ثلاثة عشر ونظر الي بصمت ، كانت نظرة قلق وخوف وحيرة ، خفقان قلبه ونظرته تداخلت مع حالة العصفور الذي كنت امسك به حيا بعد اصطياده
اراقب عينيه القلقة الخائفة وقلبه يخفق بقوة في راحة يدي ، لم أدر كم مر من الزمن
عندما كان الممرض يمسك بيدي
ويسألني
إن كنت بخير ، فتحت يدي لم أجد العصفور كان الجميع ينظرون الي باستغراب وكان (راضي) ينظر الي كعصفور جريح غير قادر على الطيران .
أدخلته بسرعة غرفة
العمليات حيث بقية الزملاء
يقومون بواجبهم ، في غرفة العمليات
شاب آخر
أصيب برصاصتين في الصدر ،
كنت أرمم جدار الصدر بتخدير موضعي وكان يروي لنا كيف سقط العشرات أمامه ، وكان
متماسكاً لكن ألمه اضطر طبيب التخدير أن يحقنه نوع من المورفين ، لحظات وبدأ
بهتافات الثورة مترافقة ببكاء ودموع فاضت من عينيه ( أم الشهيد نحنا ولادك ...سكابا يا دموع العين ....على
شهداء سوريا وشبابا )
بدأت
دموعي تتساقط ، لاحظها مساعدي ، بكلمات مخنوقة طلب مني أن أرتاح وهو يكمل العملية التي شارفت على
نهايتها ، كان طبيب التخدير يمسح دموعه ويخفي نشيجه .
|
دخلت غرفة العمليات
الثانية حيث كان راضي يخضع لجراحة واسعة ، وبشكل لا شعوري كانت يدي قد استقرت على
صدره اتحسس خفقات قلبه ، حركة اثارت استغراب طبيب التخدير الذي اشار الى جهاز
المراقبة القلبي وفهمت من حركته أن حالته جيدة ، لكن الطلقة التي اخترقت جسده الغض
اصابت الفقرات و أعصاب الطرف السفلي ومزقت الأمعاء واخترقت الكلية وفتت الكبد .
مساءً وبعد أن أنهينا عملنا قمت بجولة على المصابين وفي غرفة راضي عرفت من أهله أنه
شقيق (حمدان ) ذو الثمانية عشر عاما والذي أصيب برصاصة قبل شهر ونصف ، اصابته شبيهة بإصابة راضي ، لكنها ادت الى
شلل تام بالطرفين السفليين ، شعرت بالاختناق و عادت الي نظرة راضي التي لم أفهمها جيدا في البداية .
ليلا كنت اقرأ اسماء شهداء الرقة وكان
اسم راضي بينهم قفزت الى الهاتف سألت المستشفى عن راضي ناسيا أن أسماء المصابين لم تسجل في
الاستقبال بشكل صحيح ، أسرعت الى المستشفى ، دخلت غرفته ، كان في كامل وعيه وقد زال شحوبه ، قبلته على جبينه التمعت عيناه ببريق الحياة والحب ، وابتسم ابتسامة خفيفة
اعادت لي الأمل والتوازن بعد يوم مرعب .
اليوم وبعد مرور شهرين
مازال راضي
يعاني من شلل أصاب طرفه السفلي الأيسر و
يرقد في سريره المقابل لسرير أخيه حمدان المصاب بشلل كامل في طرفيه السفليين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق