الأربعاء، 13 يونيو 2012

عصفور جريح - اسماعيل الحامض(نقلاً عن الفيسبوك)

صباح يوم السبت السابع عشر من آذار كان قسم الاسعاف في المستشفى يغص بالمصابين  الذين سقطوا جراء اطلاق النار على مشيعي ضحايا يوم الجمعة ، و كان صوت الرصاص ينذر بالمزيد .
كنت اتنقل بين المصابين محاولا اسعاف الأكثر خطورة ، دخل شاب يحمل مصابا بين ذراعيه ، القى به على  سرير وخرج مسرعا ، توجهت اليه ، جسمه الصغير  كان غارقا بالدماء التي تسيل من نافذة مفتوحة  اسفل اضلاعه اليمنى ، ادرته لأرى مكان دخول الرصاصة التي اخترقت  ظهره من الجهة اليسرى ، تلمست صدره ، كانت ضربات قلبه سريعة و تدق بقوة ، كان صامتاً لم يتألم ولم يقل أية  كلمة ، سألته ما اسمك ؟ لم يجب ، كم عمرك قال ثلاثة عشر ونظر الي بصمت ،  كانت نظرة قلق وخوف وحيرة ، خفقان قلبه ونظرته  تداخلت مع حالة العصفور الذي كنت امسك به حيا بعد اصطياده اراقب عينيه القلقة الخائفة وقلبه يخفق بقوة في راحة يدي ، لم أدر كم مر من الزمن عندما كان الممرض يمسك بيدي  ويسألني إن كنت بخير ، فتحت يدي لم أجد العصفور كان الجميع ينظرون الي باستغراب وكان (راضي) ينظر الي كعصفور جريح غير قادر على الطيران .

أدخلته بسرعة غرفة العمليات حيث بقية الزملاء يقومون بواجبهم ، في غرفة العمليات  شاب آخر أصيب  برصاصتين في الصدر ، كنت أرمم جدار الصدر بتخدير موضعي وكان يروي لنا كيف سقط العشرات أمامه ، وكان متماسكاً لكن ألمه اضطر طبيب التخدير أن يحقنه نوع من المورفين ، لحظات وبدأ بهتافات الثورة مترافقة ببكاء ودموع فاضت من عينيه  ( أم الشهيد نحنا ولادك ...سكابا يا دموع العين ....على شهداء سوريا وشبابا ) بدأت دموعي تتساقط ، لاحظها مساعدي ، بكلمات مخنوقة طلب مني أن أرتاح  وهو يكمل العملية التي شارفت على نهايتها ، كان طبيب التخدير يمسح دموعه ويخفي نشيجه .

دخلت غرفة العمليات الثانية حيث كان راضي يخضع لجراحة واسعة ، وبشكل لا شعوري كانت يدي قد استقرت على صدره اتحسس خفقات قلبه ، حركة اثارت استغراب طبيب التخدير الذي اشار الى جهاز المراقبة القلبي وفهمت من حركته أن حالته جيدة ، لكن الطلقة التي اخترقت جسده الغض اصابت الفقرات و أعصاب الطرف السفلي ومزقت الأمعاء واخترقت الكلية وفتت الكبد .
مربع نص: عصفور جريح
   الدكتور إسماعيل الحامض
                  نقلاً عن الفيسبوك    
مساءً وبعد أن أنهينا عملنا قمت بجولة على المصابين  وفي غرفة راضي عرفت من أهله أنه شقيق (حمدان ) ذو الثمانية عشر عاما والذي أصيب برصاصة  قبل شهر ونصف ، اصابته شبيهة بإصابة راضي ، لكنها ادت الى شلل تام بالطرفين السفليين ، شعرت بالاختناق و عادت الي نظرة راضي  التي لم أفهمها جيدا في البداية .
ليلا  كنت اقرأ اسماء شهداء الرقة وكان اسم راضي بينهم قفزت الى الهاتف سألت المستشفى عن راضي ناسيا أن  أسماء المصابين لم تسجل في الاستقبال بشكل صحيح ، أسرعت الى المستشفى ، دخلت غرفته ،  كان في كامل وعيه وقد زال  شحوبه ، قبلته على جبينه التمعت عيناه ببريق الحياة  والحب ، وابتسم ابتسامة خفيفة اعادت لي الأمل والتوازن بعد يوم مرعب .

اليوم وبعد مرور شهرين مازال راضي  يعاني  من شلل أصاب طرفه السفلي الأيسر و يرقد في سريره المقابل لسرير أخيه حمدان المصاب بشلل كامل في طرفيه السفليين  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق