الدولة الوطنية هي
عبارة عن نسق متكامل من المبادئ و المفاهيم التي تقوم بينها علاقات ضرورية وتتسم
بمبادئ المساواة والحرية والمشاركة ، ولا تشتق شرعيتها من الدين بل من التزامات
وطنية بالإضافة إلى سيادة القانون و الشعب والشرعية الدستورية وفصل السلطات الثلاث
واستقلال القضاء .
وقد نشأ مفهوم
الدولة الوطنية في الوعي الإصلاحي العربي بعد احتكاك العرب بالنموذج الأوروبي
للدولة وكان ذلك متمثلا ً بالحملة الفرنسية على مصر ، فطغت المسألة السياسية على
تفكير النخب الإسلامية وساد الاعتقاد بأن الخلل الذي أصاب المجتمعات الإسلامية
يرجع إلى تخلف نظمها السياسية التقليدية ، فقام نخبة من المفكرين بطرح مفهوم
الدولة الوطنية القائم على العدل و القانون ، كما أكدوا على مسألة مدنية السلطة في
الإسلام وذلك من أجل تجريد الاستبداد من أي صفة دينية وطالبوا بحق الأمة بتمثيل
نفسها من خلال النظام النيابي .
إلا أن السلطة في
الوطن العربي تنظر لنفسها بشكل كلي على أنها التعبير الصحيح والوحيد للمجتمع
والفكر العربي عبر تاريخه الطويل وبمختلف خلفياته المعرفية والإيديولوجية لا يمكنه
أن يدعي قدرته على الحديث عن الإصلاح السياسي والديني لأنه فكر أحادي الرؤية
ويفتقر في مضمونه إلى الجدل كآلية حركية .
وقد شهدت العقود
الأخيرة من القرن الماضي تراجعا ً في بنية و فكر الدولة الوطنية حتى أصبح مصطلح
التفكيك أو الاحتواء يترافق مع قدرة المؤسسات الحاكمة على تطوير كياناتها ومشروعها
لضمان استمراريتها.
وإن أكبر تطور حصل
في تاريخ الدولة هو تعبيرها عن الأمة أي ظهور فكرة القومية ، فقد اختلف المفكرون
في أصل ونشأت الدولة فمنهم من قال بأنها تقوم على أساس غير أخلاقي (نيتشه) ومنهم
من قدسها إلى حد التأليه (هيغل) والدولة تعني التعبير القانوني للأمة وهي مستمدة
من إرادة جماعية وهذه الإرادة هي التي تمنحها الشرعية .
كانت الدولة في
العهد الروماني مرتبطة بالقيصر وشخصه فكان يعاقب بالحرمان من الطعام والشراب أو قد
يتعرض للحرق والرمي للحيوانات المفترسة كل مخالف ، أما في عهد الإقطاع في أوروبا
فلم يحدث هناك أي تمييز بينه وبين الدولة ، إلا أن الثورة الفرنسية أعطت للدولة
بعدا ً آخر وشخصية مستقلة عن الحكام سواء كانوا ملوك أم أمراء أم رؤساء واعتبرت
بأن الحاكم هو أداة من أدوات الحكم يتبدل عندما تستدعي الضرورة ، أما الدولة ذاتها
فهي باقية ومستمرة لأنها ظاهرة اجتماعية فالمجتمع ليس هو مجموع الأفراد إنما هو
جملة العلاقات القائمة بين هؤلاء الأفراد والمجتمع المدني الذي تعبر عنه الدولة
الوطنية هو التميز لصنف العلاقات التي تقوم بين الأفراد ، فهو ينطوي على الاختلاف
والتعدد والتناقض إلا أن المجتمع المدني يعبر عن الحالة التي يكون فيها المجتمع
قادرا ً وبشكل حر أن يعبر عن نفسه بأشكال مختلفة من التنظيم السياسي المستقل
والدولة هي التعبير عن هذا البناء السياسي ، وإن غياب المجتمع المدني العربي عائد
إلى تحكم المجتمع السياسي .
ومع انتصار النموذج
الستاليني للدولة الشمولية الإيديولوجية نشأت الدولة الوطنية بمفهوم جديد وتحولت
إلى أداة تكبح تناقضات المجتمع ولا تؤلف بينها فمنعت حرية الاختلاف ،فالدولة
الوطنية الحديثة تختزل في جهازها القمعي السلطوي الذي لايمكن إصلاحه إلا من خلال
تدميره والقضاء عليه تختزل تناقضات حادة في حدود تعريف مفهوم الدولة وتفتقر إلى
التجربة الإنسانية التاريخية والاجتماعية والأخلاقية وبذلك تنعدم شروط التأسيس
لنظرية الدولة المدنية الحديثة فمعظم الدساتير لا تزال تشتمل على مبدأ تحريم
المساس بالعظمة الروماني ويؤدي ذلك إلى الخلط بين الدولة وشخصية الحاكم لذلك فأن
أي انتقاد له يعني المساس بأمن الدولة وبذلك تصبح درجة الولاء للسلطة هي المعيار
الحاسم للوطنية ودرجة المعارضة لها هي المعيار الحاسم للتآمر عليها، فأن تثور على
استبداد واضطهاد المستعمر ذلك وطنية وان تثور على استبداد واضطهاد الحاكم تلك
خيانة .
ومختصر القول بأن
الدولة الوطنية في الدول النامية لا تزال واهنة وتنتهج العنف في تعاملها مع شعوبها
وتركز على بنى قديمة تكون شخصيتها وهي تجسيد وتجميد لآثار الاستعمار الذي هيمن على
البلاد ولا تستطيع أن تخلق أي نوع من التوافق بين السلطة والحرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق