إبان حرب تشرين وعجقة
الفرح كما كنا نسمع جاء إلى مدينتي البعيدة والمنسية محافظا بكامل الصلاحيات وإتخاذ
القرار وحاكما بأمره ومن أعرق عوائل الساحل السوري وجباله وجاء معه أقاربه وحاشيته
وأتباعه وواحدا منهم أبن عمه وأخا شقيقا لزوجته أسمه أسامة وكان من حظي أن يكون أسامة
زميلي في الصف والمقعد بآن في البكالوريا العلمي الشعبة الأولى وارتبطنا كلنا مع أسامة
بعلاقة ملؤها الود والحب وهالة الحكم والإعجاب من هذا القادم من القرداحة بلد الرئيس
.
ربطتني وأسامة أشياء
كثيرة جميلة وبريئة وحميمية مازلت أحمل الوفاء لها إلى اليوم .
أمضينا العام الدراسي
كله وأسامة لا يحضر معه إلا قلما ودفترا سميكا .. فقط لا غير .. وجاء حزيران شهر الإمتحانات
والأحلام وتقدمنا كلنا لها كلا بجهد عامه الدراسي وتعبه وسهره وقلق أهله .. كنا واحد
وسبعون طالبا من الفرع العلمي في كل المحافظة ولأن أسمي في قيد النفوس يبدأ ( محمد
جمال ) أي في حرف الميم آخر الأبجدية جاء مكاني في القاعة الخامسة وأسامة في القاعة
الأولى .. وتدخل الأمن العسكري بقيادة واحدا من أقاربهم ( هواش ) بالدخول لقاعة أسامة
وأخذ نسخة من الأسئلة مع الأستاذ المختص بالمادة .. وحلها ثم الرجوع للقاعة وإعطاؤها
لأسامة لنقلها على ورقة أجابته ومن ثم تمريرها لزملاؤه الباقون والمنتظرون والفرحون
.. وشاع الخبر في مدينتنا الوادعة وبين الأهالي .. أنتهت الفحوص وأشتعلت النار بين
أمين الفرع (محمود الأطرش) من ريف حماة ومدير التربية (تاج الدين زينو ) من السلمية
من جهة والمحافظ من جهة وحمي الوطيس بينهم خلف الجدران العالية بين أعادة للفحص بشكل
استثنائي أو حرمان أسامة وقاعة أسامة من النجاح .
طار محمود الأطرش من
أمانة الفرع وجلس في بيته شبه إقامة جبرية ..
طار تاج الدين زينو
من منصبه وجلس في بيته مذموما مدحورا .
ورسب سبعون طالبا في
البكالوريا العلمي لتشابه الأوراق فيما بينهم .
ونجح أسامة لوحده .
أحزن الرسوب الغالبية
العظمى من زملائي أصحاب القاعات البعيدة والتي ما مرّ عليها هواش ورجاله وأنا منهم
.. ولكن كوننا رسبنا كلنا بدون إستثناء وعدنا لنفس مقاعدنا وصفوفنا وأساتذتنا هان الأمر
ومضت السنون ونجحنا وتفرقنا كأي شيء جميل في الحياة .
من المفارقات أن أسامة
عاد لقريته وما برحها ولم يكمل تعليمه بينما الذين ظلموا بسببه وأعادوا العام الدراسي
من دون أي ذنب هم اليوم أعلام مدينتهم ووجاؤها وأصحاب الكلمة الفصل في الطب والهندسة
والمحاماة والعلوم الإنسانية والتجارة والزراعة وسفراء الفرات في الإغتراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق