وجدت الحرية لأول مرة منذ أن وجد الإنسان في هذه الحياة إلا أن " الكبار العارفين " كانوا يمنعون الناس من التفكير الذي هو أحد أهم
دعائم الحرية .
نحن لم نسمع يوما ً قط أن إنسانا ً تقدّم للقتل راضيا ً أو كدّ نفسه حتى
مات ، في سبيل أكلة شهية أو عقار يقتنيه ، و إنما سمعنا أن أناسا ً عديدين ماتوا
من أجل الحرية التي آمنوا بها لم يقرها عليهم الناس أو الحكومة .
فالحياة ودأبها التطور من أدنى إلى أعلى وتمثل الحرية قمة هذا التطور ،
إلا أن الجمود هو طبيعة أساسية في المؤسسات الاجتماعية ، بينما التطور هو طبيعة
هذه الحياة ، فإذا اتسعت الهوة بينهما ، عمدت الحياة إلى الخروج و الثورة و
التحطيم .
لقد حطم الإنسان أول قيوده بالخروج على فكرة الطوطم أو المحرم دينيا ً ،
وما لبث إلا أن ثار على جميع النظريات التي تفسر الكون بطبيعة دينية ، فكان سقراط
أول من دعا إلى الحرية الفكرية بقوله
" ليس على الأرض إنسان يحق له أن يملي على الآخر ما يجب أن يؤمن به أو يحرمه
من التفكير كما يهوى ".
ثم عادت سيطرة " الكبار " في العصور الوسطى باسم الدين حيث
قاموا باضطهاد و قتل و إعدام كل من خرج و نادى بحرية الفكر .
فبرز في أوربا
العديد من أحرار الفكر الذين كانوا ينادون بالشعوب " اسحقوا أهل الخزي ،
اسحقوا أهل العار الذين يضطهدون الأحرار " وكان من أبرز من نادى بالحرية هو
الفرنسي الشهير جان جاك روسو أو كما يسمى بـمشعل الثورة الفرنسية رمز الثورات
العالمية الذي قال " إن مبدأ كل عمل هو إرادة حرة ، وليست كلمة الحرية هي
التي لا معنى لها ، بل كلمة المستحيل " ؟
فاختلطت الحرية الفكرية بالحرية السياسية تحت سيادة مفهوم واحد هو حرية
الإنسان العامة التي تكون قوية بقدر ما تطلع إلى الخير بمعناه العام ، فرأى معظم
مفكروا ذلك العصر أن الإنسان عندما يتخلى عن حريته ، إنما يكون قد تنازل عن صفته
كإنسان ، و الجمهورية هي الدولة التي تسود فيها القوانين ، وهذا القانون لا يكون
حقيقيا ً إلا حينما تكون غايته المصلحة العمومية ، فالشعوب تستطيع ان تمتلك الحرية
بإرادتها ولكنـها غير قادرة على بعثها ، فالحرية هي كما الشجرة لا تنبت في جميع
المناخات ، لذلك من الصعب أن يحصل عليها الجميع ، ولكل فعل حر سببان : الأول
أخلاقي وهو الإرادة التي تقرر الفعل وهذا يستدعي السلطة التشريعية و التي هي من حق
الشعب ، وأما الثاني فهو القدرة على تنفيذه و هذا يستدعي السلطة التنفيذية ،
والديمقراطية هي النظام الأمثل لحياة الحرية
، فلو أن شعباً مؤلفا ً من الآلهة اختار نظام حكمه لاختار الديمقراطية ، أما البشر فلا يلائمهم
ذلك الحكم لكماله .
فالشعوب المستعبدة تميل التي إلى مديح السلام الذي تتمتع به في قيودها و
تضحى بالراحة و الملذات في سبيل الحفاظ على هذه " الحرية المعبودة " ،
لن تعرف بأن حرية الإنسان هي ثمرة لا قوى صراع بين الطبيعة و الإنسان ، الجسد و
العقل ، الهمجي و القديس ، لكن كما يرى سارتر " بأن الاحتلال حرر الإنسان من الشعور بالإثم لأن إنزال العقاب
بالمذنب يخفف من الشعور بالذنب ، و إن الشعب لم يكن حرا ً في يوم من الأيام إلا في
زمن احتلاله " ، فما على الشعب إلا أن يتشكل و ينتفض من جديد فإما أن يعيش
خائنا ً أو يموت شريفا ً .
ففــي جمهوريـــة الصمـــت ، الكــل صامـــت مـــاعـــدا الحريــــــــة . . .
*حلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق