الجمعة، 18 مايو 2012

محمّـد قحطان ... شهيد الحريـــــة

" أغسل وجهي بدمك ... يا فؤادي أنت ... يا جبيري يا سند ظهري ... والله كنت سند ظهري يا قلبي " بهذه الكلمات ودّع ( قحطان الحاج عبو ) ابنه البكر ( محمد )، كان قحطان يقول هذه الكلمات بينما ابنه ممدد أمامه جثة هامدة وملفوفا ً بعلم الاستقلال ، والناس من حوله ، ابنه الذي أضحى أحد شهداء ثورة الكرامة و الحرية .
محمد الذي لم يكن يعص ِوالده  ولم يرفع صوته بوجهه إلا عندما حاول نصحه بالكف عن المشاركة في المظاهرات و نشاطات الثورة ، عندها رد عليه محمد بالقول " اتركوني بحالي ، الي شفتو أنا بفروع المخابرات انتم ما شفتوه ولا ممكن تستوعبونو " .
ولد محمد في الحادي عشر من تشرين الثاني عام واحد و تسعين وتسعمائة وألف ، أصدقاؤه الذين يحبونه و يحترمونه كانوا يلقبونه بأبو قحطان نسبة إلى والـــــــده أو ( حمودي ) ، ويضيف أصدقائه بأنــــه كان شجاعا ً ، شهما ً ، مهذبا و صادقا ً ، تلك كانت ابرز صفات الشاب العشريني الذي يدرس في معهد إدارة الأعمال بجامعة تشرين في اللاذقية ، اللاذقية التي لم يدرس فيها و حسب، بل ذاق فيها مرارة الاعتقال حيث استمر اعتقاله ما يقارب الشهر، منذ الثاني عشر من كانون الأول عام 2011 و حتى الخامس من  كانون الثاني عام 2012، كان يريد أن يصبح عنصرا ً فعالا ً  في مجتمعه و كان يريد أن يرفع من شأن وطنه التي لطالما أحب سوريا، لم يكن يطلب سلطة أو منصب ، كان يريد فقط الحرية لبلده و لشعبه.
كان محمد من أوائل الشباب الذين شاركوا في المظاهرات ضد حكم بشار الأسد في مدينته الرقة ، ولم يتشاءم من قلة أعداد المتظاهرين، بل كان مفعما ً  بالأمل وكان يعمل كي يلحق الرقة بركب المدن الثائرة .
وأيضا ً كان محمد أحد المسعفين لعلي البابنسي عندما أصيب بالطلق الناري الذي أودى بحياته ، ولما عاد إلى المنزل و علم أن علي استشهد صرخ بأهله قائلا " اقسم بالله هذا الشب الي اسعفتوا و دمو على ايدي " .
هذا ولم يقتصر دوره  على إسعاف علي البابنسي  قبل استشهاده ، بل شارك بشكل فاعل في تشييعه وكان فرحا ً بالتشييع الرائع الذي وصفه بأنه " عرس الشهيد " ، حتى أنه قال لأمه قبل أن يخرج للتشييع " لا تزعلي اذا حدا نادالك أم الشهيد " .
بعد مواراة علي البابنسي الثرى عادت جموع غفيرة من المشيعين إلى دوار الساعة و إذ بقوات الأمن لهم بالمرصاد تمنعهم من النزول إلى ساحة المحافظة حيث يوجد تمثال حافظ الأسد، عندها أصرّ حمودي على البقاء في المكان متحديا ً قوات الأمن هو  ورفاقه ، كان يعرف أن أعداد  المتظاهرين أكبر بكثير من عناصر الأمن ، وكان يعلم أن سلاح الثوار هو الكلمة و الصوت ، بينما سلاح قوات الأمن قنابل و بنادق ورشاشات و مدرعات ، نعم لان الجبان عادة ما يختبأ خلف ما يضن انه يحميه ، هذا الجبان أطلق النار وإذ بالطلقة و بسرعة البرق أصابت قلبه ، ظن ّ الذي أطلق النار أنه أردى هذا الشاب قتيلا ً ولكنه لو علم انه حوله إلى شهيد ربما لما أقدم على فعل كهذا .  
نعم إنه يوم السادس عشر من آذار عام 2012، يوم شهد مجزرة حقيقية راح ضحيتها حمودي و عدد من رفاق دربه النضالي، عدد من الأبطال الذين ضحوا بدمائهم و بأرواحهم ليعيش هذا البلد حريته المنشودة .

شـُـيـّع حمودي تشييعا ً حاشدا كعرس البابنسي ، و دفن في مقبرة حطين ، وأصبح قبره منارا ً للحرية،  قبراً  لا يقل شأناً  في عظمته عن قبري يوسف العظمة و صالح العلي فكلهم أبطال في هذا الوطن البطل .



*مايكل العلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق