" أغسل وجهي بدمك ...
يا فؤادي أنت ... يا جبيري يا سند ظهري ... والله كنت سند ظهري يا قلبي "
بهذه الكلمات ودّع ( قحطان الحاج عبو ) ابنه البكر ( محمد )، كان قحطان يقول هذه
الكلمات بينما ابنه ممدد أمامه جثة هامدة وملفوفا ً بعلم الاستقلال ، والناس من
حوله ، ابنه الذي أضحى أحد شهداء ثورة الكرامة و الحرية .
محمد الذي لم يكن يعص ِوالده
ولم يرفع صوته بوجهه إلا عندما حاول نصحه بالكف عن المشاركة في المظاهرات و
نشاطات الثورة ، عندها رد عليه محمد بالقول " اتركوني بحالي ، الي شفتو أنا
بفروع المخابرات انتم ما شفتوه ولا ممكن تستوعبونو " .
ولد محمد في الحادي عشر من تشرين الثاني عام واحد و تسعين وتسعمائة وألف
، أصدقاؤه الذين يحبونه و يحترمونه كانوا يلقبونه بأبو قحطان نسبة إلى والـــــــده
أو ( حمودي ) ، ويضيف أصدقائه بأنــــه كان شجاعا ً ، شهما ً ، مهذبا و صادقا ً ،
تلك كانت ابرز صفات الشاب العشريني الذي يدرس في معهد إدارة الأعمال بجامعة تشرين
في اللاذقية ، اللاذقية التي لم يدرس فيها و حسب، بل ذاق فيها مرارة الاعتقال حيث
استمر اعتقاله ما يقارب الشهر، منذ الثاني عشر من كانون الأول عام 2011 و حتى
الخامس من كانون الثاني عام 2012، كان
يريد أن يصبح عنصرا ً فعالا ً في مجتمعه و
كان يريد أن يرفع من شأن وطنه التي لطالما أحب سوريا، لم يكن يطلب سلطة أو منصب ،
كان يريد فقط الحرية لبلده و لشعبه.
كان محمد من أوائل
الشباب الذين شاركوا في المظاهرات ضد حكم بشار الأسد في مدينته الرقة ، ولم يتشاءم
من قلة أعداد المتظاهرين، بل كان مفعما ً
بالأمل وكان يعمل كي يلحق الرقة بركب المدن الثائرة .
وأيضا ً كان محمد
أحد المسعفين لعلي البابنسي عندما أصيب بالطلق الناري الذي أودى بحياته ، ولما عاد
إلى المنزل و علم أن علي استشهد صرخ بأهله قائلا " اقسم بالله هذا الشب الي
اسعفتوا و دمو على ايدي " .
هذا ولم يقتصر
دوره على إسعاف علي البابنسي قبل استشهاده ، بل شارك بشكل فاعل في تشييعه
وكان فرحا ً بالتشييع الرائع الذي وصفه بأنه " عرس الشهيد " ، حتى أنه
قال لأمه قبل أن يخرج للتشييع " لا تزعلي اذا حدا نادالك أم الشهيد " .
بعد مواراة علي
البابنسي الثرى عادت جموع غفيرة من المشيعين إلى دوار الساعة و إذ بقوات الأمن لهم
بالمرصاد تمنعهم من النزول إلى ساحة المحافظة حيث يوجد تمثال حافظ الأسد، عندها
أصرّ حمودي على البقاء في المكان متحديا ً قوات الأمن هو ورفاقه ، كان يعرف أن أعداد المتظاهرين أكبر بكثير من عناصر الأمن ، وكان
يعلم أن سلاح الثوار هو الكلمة و الصوت ، بينما سلاح قوات الأمن قنابل و بنادق
ورشاشات و مدرعات ، نعم لان الجبان عادة ما يختبأ خلف ما يضن انه يحميه ، هذا
الجبان أطلق النار وإذ بالطلقة و بسرعة البرق أصابت قلبه ، ظن ّ الذي أطلق النار
أنه أردى هذا الشاب قتيلا ً ولكنه لو علم انه حوله إلى شهيد ربما لما أقدم على فعل
كهذا .
نعم إنه يوم السادس
عشر من آذار عام 2012، يوم شهد مجزرة حقيقية راح ضحيتها حمودي و عدد من رفاق دربه
النضالي، عدد من الأبطال الذين ضحوا بدمائهم و بأرواحهم ليعيش هذا البلد حريته
المنشودة .
شـُـيـّع حمودي
تشييعا ً حاشدا كعرس البابنسي ، و دفن في مقبرة حطين ، وأصبح قبره منارا ً
للحرية، قبراً لا يقل شأناً
في عظمته عن قبري يوسف العظمة و صالح العلي فكلهم أبطال في هذا الوطن البطل
.
*مايكل العلي
*مايكل العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق