الثلاثاء، 22 مايو 2012

أغنية ٌ لمن يشغلون الهامش - ثورة حياة


للقصة السورية، ككل قصص الشعوب الثائرة، رموزها وقادتها، شخوصٌ يشغلون متن الحكاية، وآخرون يكتفون بالهامش، لا لشيء سوى لأن هؤلاء الآخرين غير معنيين سوى بتجسيد قناعاتهم واقعاً ملموساً، عليه أن يتحقق وفق وجهة نظرهم.
بينما التدقيق في الحدث السوري – وكل حدث مشابه -  يجعلنا ندرك أن من يصنع تفاصيل الحكاية  هم أولئك القابعين في هامشها، مؤمنين بأن التصنيف الدارج لا يقلل من شأنهم ولا يخفض من قيمة فعلهم النضالي .
للمرأة في هذه المعادلة، الحصة الأوفر، لا لكونها تشغل المساحة الأكبر في الهامش المقترح ، وإنما لأن من طبيعتها أنها كائن يعمل بلا ضجيج ..
النساء المعنيات في هذا النقاش ، لسن "منتهى الأطرش" أو "سمر يزبك" ، ولا " فداء الحوراني" أو "رزان زيتونة"، ولا حتى "فدوى سليمان".. إلخ، على أهمية النساء المذكورات هنا،  بل يجري الحديث عن نساء مغمورات ليس لأسمائهن بريق النجومية ، وهن من لا يهتم بهنّ الإعلام عادة ، النساء المعنيات هنا هـنّ أولئك النساء اللواتي يؤدي غيابهن عن ساحة النضال إلى خلل عميق يصيب مكونات الحدث.
فقبل أن نرى العلم مرفوعاً في إحدى المظاهرات ، اعلموا جيداً أن هناك يد أنثوية (قد لا تخلو من قليلٍ من التجاعيد) ساهمت في حياكته ونسج تفاصيل  ، هيئته بعناية الخبير، كي يخرج إلى الشارع مرفوعاً على القبضات الهادرة ، وقبل أن تروا لافتةً مكتوبةً بخط أنيق ، فاعلموا أيضاً أن هناك في الظل من عمل عليها ساعات طوال، وهيئها لزفاف الشارع المنتفض.
الإعلام بشكل عام غير معني بتسليط الضوء خارج حدود الحدث المتصاعد " المتظاهرين في الشارع " ، بينما من عمل على توفير الشرط اللازم لهذه المظاهرات، فالكاميرا ليست معنية بتسليط عدستها عليه.
يسقط الشهيد، يوثق اسمه ، وتفاصيل استشهاده ، يزف بعراضة تجعل المراقب يشعر بالحسد حيال عرس لبطل تلفه الأهازيج، مرة أخرى تكون الكاميرا غير معنية بتسليط الضوء على الفراغ الذي خلفه الشهيد خلفه (لا تصدّقوا زغاريد
أمي.. صدقوا دمعةَ أبي ( ،  يترك الشهيد خلفه أمّاً ثكلى، وزوجةً ترمّلت على غفلة من الوقت، (منذ قليل يا حبيبي كنا معاً نحتسي الشاي.. منذ قليل كان يحدثني أنه سيصلح محرك المياه المتوقف من قلة المياه.. منذ قليل تلاشى حتى الوجع (.
والطفل الصغير المعتاد على رائحة والده الذكورية يتساءل: أين الجميع؟
كل هؤلاء الشخوص المكونين لتفاصيل المشهد، تزيحهم كاميرا الإعلام إلى هامش يتحول بفعل انقلاب الموازين إلى مركز ٍ للحدث.
ويبقى السؤال: ماذا نقول عن كل هؤلاء الشخوص المكونين للحدث؟
يصح ما سقناه آنفاً على المعتقل أيضاً وعلى الجريح والمتخفّي.. وعمّن حمل السلاح وتلحّف الجبال.. إلخ، فكل هؤلاء هم نجوم اللحظة الراهنة.

أذكر تماماً ما حدث في الزبداني عندما شنت عصابات المرحلة الراهنة حملة اعتقالات طالت الناشطين من شباب ورجال المدينة، فما كان من نسائها المناضلات إلا أن نظموا واحدة من أضخم المظاهرات في المدينة، أفضت إلى إطلاق سراح أغلب المعتقلين، وليستِ الزبداني بنسائها المناضلات حالةً خاصة، فكثيرٌ من المدن السورية خاضت التجربة ذاتها، وهو شيءٌ لا يفاجئنا بطبيعة الحال.
تقول إحدى الناشطات ممن ينتمون إلى الهامـــــش: " بعد الثورة أصبح لنا أهمية كبيرة.. فبعد أن كانت حركتنا مقيدة، ومجال تحركنا مقتصر على الهتاف في المسيرات المؤيدة.. بتنا في ظل الثورة نشارك الثوار ثورتهم .. عملنا دوراتٍ تدريبيةً على إسعاف الجرحى، شاركنا في المظاهرات.. قاتلنا.. ومنـّا من استشهدت ومنّا من أصيبت.. حتى أنه في بعض الحالات كان وجودنا يشكل حمايةً للمتظاهرين " .
تُحاك تفاصيل الحكاية السورية على أيدي نساء ورجال، تغفلهم غالباً أقلام الكتاب وكاميرات الصحفيين، فاعلين في الحدث، يعملون غالباً بصمتٍ وهدوء، ولكن بهمّةٍ قلّ نظيرها، فهؤلاء هم من عقد العزم وحسم خياراته.. أولئك هم من تملّك وعيه السياسي – بخلاف رعيلٍ مثقف مازال يتعثر -  في ضرورة التغيير، وأقسم بأنْ "لا تراجُع" .
فالثورة ثورة شعب – كما يطيب لإحدى الحرائر أن تردد -  نحن سننال الحرية ، إرادة الشعب ستسقط النظام". وتستغرب من سؤالي: ماذا تريدون بالضبط ؟؟
وتصاب بالدهشة. نريد حرية – تقول - تعبنا من الفساد – شارحة مفهومها للحرية -  ومن الظلم الاجتماعي.. نريد المساواة بين الجميع ، كما الحرية للجميع .
للثوار المقهورين أيضاً بداهاتهم، والتي ينتجونها في سياق ممارستهم لفعلهم النضالي، وحريتهم باتت تندرج في سياق هذه البداهات،  فلا شيء أوضح مما يريده الثوار : حرية وعدالة اجتماعية ومساواة على كافة المستويات ، وأنا هنا أنقلُ ما أتاحته لي تجربتي المتواضعة مع أناس بات شرفاً لي أن أعلنَ انتمائي إليهم ، بوَجَعِهم وأحلامهم، بحكاياتهم وعزيمتهم التي لا تلين.
انتماءٌ إلى هامشٍ.. اتسع ليغطي تاريخاً لم يتسع فيما مضى سوى لأسياده ومن وضعوا نفسهم في مركز المتن.

إذ هنا يتجلى تاريخ المقموعين الحقيقي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق