إن الباحث في
التاريخ الإنساني بشكل عام وفي التاريخ الاجتماعي بشكل خاص، يجد أن مفهوم الدولة
نشأ منذ القديم بفضل تواجد جماعة إنسانية غير قادرة على موازنة الخاصيات العامة
المتناقضة فيما بينها، لهذا السبب كان نشوء الدولة حاجة أساسية وضرورية من حاجات
بقاء المجتمع المتمثل بالفرد أولا ً وبمجموع الأسرة والأقارب ثانيا ً، فكان نشوء
الدولة بالمعنى العام.
وقد رأى الكثير
من مفكري أوروبا في العصر الحديث أن الدولة هي الصيغة الأمثل للتعبير عن حالات
التوافق الاجتماعية وهي عبارة عن عقد يبرم بين جماعة إنسانية من جهة وجماعة آخرى
تتولى مهام تدبير شؤون المجتمع ويحتوي هذا العقد على مجموعة من الامتيازات والحقوق
التي تتخلى عنها الجماعة للفئة الحاكمة مقابل الحصول على الحاجات الضرورية وإن أي
خرق في بنية هذا العقد يؤدي إلى نهاية الشرعية
6
|
فكانت النشأة
الأولى للدولة متمثلة بجماعة تشترك بدين واحد أو طائفة أو مذهب أو عرق وما لبث ذلك
إلى أن تحول على شكل جديد قائم على المواطنة فمن الشعب إلى الأمة ومن الوطنية إلى
القومية، فكان ظهور الدولة بمعناها الحديث والذي يحتوي في داخله على مكونات شعبية
متباينة فيما بينها تجتمع تحت غطاء الوطن.
والتاريخ العربي
الحديث شهد انحسارا ً في بنية ومعنى الدولة الوطنية وجاء ذلك في تراجع السلطة
العثمانية مقابل ظهور الاستعمار والانتداب، فإنكفت القومية إلى وطنية وقامت معظم
الدول العربية على مبدأ مناقض تماما ً لنموذج الدولة الوطنية واعتمدت على المركزية
ومصادرة السلطة المحلية وركزت الحكم بيد نخبة سياسية معدة مسبقا ً لتسلم السلطة عن
طريق ماسمي بالتصحيح، فأحدث ذلك شرخا ً بين السياسة والمجتمع المدني.
ففي سوريا قامت
الدولة ومنذ عام 1970 بتركيز الحكم بيد الطائفة العلوية وحولتها من جماعة أهلية
إلى طائفة سياسية وربطت الطائفة بعائلة الأسد تحديدا ً وعملت على إنشاء طبقة من
كبار ضباط الجيش والأمن من العلويين (الإقطاع العسكري) فشكلت مايدعى (سوريا الأسد)
وقامت بإبعاد بقية أفراد المجتمع بكافة أطيافه عن الحياة الاجتماعية عامةٍ
والسياسية خاصة .
ٍومازال النظام
يعمل على بث روح الفتنة في النسيج المجتمعي السوري في بعض المناطق مثل ؛ السويداء
ودرعا مناطق الأكراد، العرب في الجزيرة ومناطق المسيحيين ولكن هذه المرة بعيدا ً
عن ثنائية سني – علوي وتحت شعارات (الدين – الطائفة – القومية – العشيرة)
كما أنها نجحت
في عزل الشعب عن الساحة السياسية وإبعادهم عن التمثيل والمشاركة الأمر الذي يؤدي
إلى أن أي تدمير في بنية النظام سيؤدي إلى تدمير الدولة وذلك بسبب غياب أطر فعلية
قادرة على تمثيل المجتمع سياسيا ً.
ناعمة
كالياسمينة، طاهرة كالأحلام، لم أحلم طول عمري إلا بالسلام.
لكنهم
يطلقون الرصاص حتى على الأحلام، وأنت أيضا ً يا أخي في الانتماء لهذا الشعب،
دافع عن حقك في الحياة .
أو سيكون
دورك في الموت والانهزام، احقن دماءك بمشهد اللوعة في عيون الصغار.
ثم حول
لوعتك إلى غضب ونار ، أثبت وجودك الحرّ
وارفع رأسك
عاليا ً في زمن انحناء الهامات، لتنال نظرة الاعجاب مني والاحترام.
|
ولعل أغلب
الأنظمة العربية مشابهة للنظام في سوريا من حيث المبدأ ففي مصر أضحى حلم الجمهورية
التي تورث حقيقة ٍ خصوصا ً بعد نجاح التجربة في سوريا فتمثل ذلك بقيام حسني مبارك
بإعداد ابنه جمال لتسلم منصب (رئيس الجمهورية) الوراثية، ولا يختلف الحال كثيرا ً
في بقية البلاد العربية التي تأخذ شكل مملكة أحيانا (الأردن –البحرين – السعودية)
أو التي تتألف من مجموعة من إمارات اتحدت تحت حكم عائلة والتي سميت في بعض المناطق
باسم تلك العائلات، فهي تقمع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي و
إطلاق الحريات العامة بزيادة في الرواتب أو تخصيص منح سنوية لمن يعانون من البطالة
وشتان مابين هذا
7
|
وهكذا نجد بأن
التاريخ العربي الحديث ينطوي على إخفاق شامل للدولة والمجتمع والفكرة الوطنية
والقومية ويعكس تحرر طبقة واستعباد شعب.
والسؤال الذي
يطرح نفسه بهذا الصدد، لماذا ينكفئ الوعي الوطني ويتعايش مع الهزيمة ويبني من
الحدود التي صنعها النظام أصناما ً يعبدها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق