إنه من أكثر الأسئلة أو يمكن أن يكون السؤال الأول الذي يطرق مسامع
المعتقلين في سوريا في بداية ثورة الكرامة .
إذ أنه كلما خرج أحد المعتقلين من السجن ، يروي تفاصيل اعتقاله الدقيقة ،
ودائماً يكون هذا السؤال هو القاسم المشترك بين جميع المعتقلين ، ناهيك عن حفلات
التعذيب التي تتنوع وتختلف من فرع أمني لآخر .
ولكن ، وبالطبع كانت تختلف إجابات هؤلاء المعتقلين تبعاً لاختلاف مستوياتهم
الفكرية، وتتنوع بتنوع مشاربهم الثقافية .
وبكل تأكيد تختلف صيغة السؤال من محقق لآخر ومن جلاد لآخر : بدكن حريي يا
...؟!
شو يا ابن ... بدك حريي؟ ولك انت
يا حيوان بتعرف شو هيي الحريي ؟!
ومن هنا تبدو عظمة السوريين في ثورتهم ، فعندما يكون المعتقل من الطبقة
المثقفة يعجز المحقق الجاهل عن إجراء أي حوار مع هذا المعتقل، أو الدخول في نقاش
يرتكز إلى أسس منطقية وعقلانية
أما المدهش فعلاً ، فهو عندما يحاول المحقق التذاكي ، أو إظهار قدرته على
الإقناع من خلال استخدامه أسلوب الترهيب والترغيب مع المعتقلين من الشبان الصغار
في العمر ، أو مع بعض المعتقلين من محدودي الثقافة ، فإنه يصعق من إجابات هؤلاء
الناس على أسئلته التي لايعرف هو أصلاً إجابة دقيقة لها .
فمن الممكن ألا يقوى هؤلاء على تعريف معنى الحرية بطريقة أكاديمية ، أو على
إيجاد سبب حقيقي يقنع به هذا المحقق المعتوه ، وعلى الرغم من ذلك تأتي الأجوبة
كأنها صاعقة تعصف برأس المحقق ، فما إن يسأل المحقق : لماذا خرجت في المظاهرة يا
ابن ال ...
هل تعرف معنى الحرية يا ...، ماذا تريد يا ...؟؟ وكثير من هذه الأسئلة التي
يحاول من خلالها المحقق حشر المعتقل في الزواية ، وقسره على الإحساس بالذنب نتيجة
هذه الجريمة العظيمة .
إلا أن المعتقل يرد وبكل ثقة : أنا لا أريد نظاماً استبدادياً ، أنا لا
أريد أن أخطف من بيتي لأي سبب يخطر على بال رجال الأمن ، أنا أريد أن أقول رأيي
بكل صراحة دون خوف أو وجل من شبح الاعتقال ، أنا أريد أن تكون سورية لكل السوريين
وليست مزرعة لآل فلان أو علان ، أحب أن أعيش في دولة اسمها سورية فقط ، وليست
سورية لأحد بعينه ...
هنا كما ذكرت تكمن عظمة السوريين في ثورتهم التي لاتقلّ عن عظمتهم .
يقول فولتير : ليس المهم أن أعرف ماذا أريد ، ولكن المهم أن أعرف ما لا
أريده .
تحية لكل السوريين في ثورتهم العظيمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق